عمّال بلا زيادة أجور

الاتحاد العمّالي صامت وأصحاب العمل يشعرون بقوّة فائضة

خلال اليومين الأولين من شهر آذار تبيّن لمجموعات من الأجراء في قطاعات مختلفة، أن إدارات المؤسسات التي يعملون لديها لم تحتسب زيادة غلاء معيشة على رواتبهم. خلاصة المراجعات تشير إلى تسويف غير مبرر سوى بأنه امتناع واضح عن دفع الزيادة خلافاً لمرسوم تصحيح الأجور الرقم 7426 رغم استناده إلى «اتفاق» مزعوم بين ممثلي هيئات أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي.

في نهاية شهر شباط كان يفترض أن يحصل عمال لبنان على زيادة غلاء معيشة بموجب مرسوم تصحيح الأجور الرقم 7426، لكن بعض المؤسسات والشركات تستعيد، كما عند أيّ زيادة أجور سابقة، موقفاً تقليدياً قديماً، فلا تدفع الزيادة، أو تماطل في دفعها، أو تعمد الى اجتزائها، أو تدّعي أنها دفعتها في وقت سابق بذرائع مختلفة. هذه السنة تستخدم الشركات حجّة اضافية، مفادها أنها لا تزال تقوم بحسابات داخلية لتقويم قدرتها على السداد، فيما هي فعلياً تحاول استفزاز العمال لتجرّهم الى لعبة انتظار طويلة الأمد، بعدما ثبت لها أنه ليس لدى العمّال من يمثّلهم أو يدافع عنهم، وأن معظم النقابات إمّا «خائنة» أو «متواطئة» أو «ضعيفة»… غالباً ما تنتهي مثل هذه الألاعيب بخسارة العمال للزيادة، أو بخسارة وظائفهم.

رغم ذلك فإن بعض المؤسسات تحاول استدراج العمال إلى مفاوضات حول نسب الزيادة التي يمكنها تقديمها… هكذا يطبّق مرسوم تصحيح الأجور السياسي الذي ألحق الغبن برواتب العمّال.
مرّت أكثر من 4 أشهر قبل أن يصدر مرسوم تصحيح الأجور في الجريدة الرسمية بتاريخ 25 كانون الثاني 2012. خلال كل هذه الفترة كان النقاش دائراً حول الزيادة العادلة على الأجور لتعويض نسب التضخّم. خلال تلك الفترة، اتّخذ النقاش أكثر من بعد، وذهب في أكثر من اتجاه، فمرّة كان النقاش قانونياً بشأن مدى دستورية قرارات مجلس الوزراء ومطابقتها للقوانين، ومرّة كان «بلطجياً» عبّر عنه تحالف ممثلي أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي العام ضد وزير العمل السابق شربل نحّاس، الذي حاول استباق الأحداث وطرح اولوية صون الأجر وحمايته الى جانب تصحيحه، ولا سيما بعدما شعر بحجم «التواطؤ» الذي يمارسه من يدّعي تمثيل العمّال على طاولة المفاوضات…

هكذا صدر مرسوم تصحيح الأجور الرقم 7426 ليلحق الغبن بأجور العمال. فهو، في النتيجة، لم يلحظ زيادة عادلة تعوّض نسب التضخّم الفعلية في لبنان، وقد أبقى الوضع السابق للأجور ومكوّناتها، أي حافظ على ما يسمّى «بدل النقل» خارج الأجر خلافاً لقرارات وآراء مجلس شورى الدولة، رغم معرفة جميع المتواطئين أن نصف الأجراء في لبنان لا يتقاضون هذا البدل، وأن عدم احتساب بدل النقل عنصراً من عناصر الأجر يحرم جميع الأجراء نحو ملياري دولار من تعويضات نهاية خدمتهم.

جاء نص المرسوم واضحاً؛ فهو عيّن الحدّ الأدنى الرسمي للاجر الشهري بمبلغ 675 ألف ليرة، والحد الأدنى للأجر اليومي بمبلغ 30 الف ليرة. إضافةً إلى ذلك، عمد المرسوم إلى إقرار زيادة على الأجر بنسبة 100% على الشطر الأول لغاية 400 ألف ليرة، على أن لا تقلّ الزيادة عن 375 ألف ليرة، وبنسبة 9% على الشطر الثاني من الأجر الذي يزيد على 400 ألف ليرة ولا يتجاوز 1.5 مليون ليرة، وذلك بعد تنزيل الزيادة الحاصلة في عام 2008، والبالغة 200 ألف ليرة. أي بعد حسم 200 ألف ليرة من الأجر قبل احتساب الزيادة على الشطرين.

وتشير المادة الرابعة من المرسوم المذكور، إلى أنه «تؤخذ بالاعتبار وتحسم من الزيادة، الزيادات التي منحتها المؤسسات منذ أول كانون الثاني 2010 والموصوفة صراحة، أو بعقد أو نظام، أو سجلات، أو بقرار من السلطة الصالحة في المؤسسات العامة، بأنها طرأت بسبب غلاء المعيشة، والتي شملت جميع أجراء المؤسسة أو شملت فئة معيّنة من الأجراء في المؤسسة، إذا كانت هذه الزيادات توازي الزيادة المقررة أو تقلّ عنها، أما إذا كانت تفوق الزيادات المقرّرة فلا يجوز خفضها».

رغم أن المرسوم جاء ضد مصلحة العمّال ولمصلحة اصحاب العمل، ورغم أنه استند إلى «اتفاق رضائي» وضعه ممثلو أصحاب العمل ووقعه رئيس الاتحاد العمالي العام وامينه العام، إلا أن بعض المؤسسات لا تريد ان تدفع الزيادة على الأجور. فبحسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله، تلقى الاتحاد مراجعات من عشرات العمّال في شركات الباطون، ومعامل البلاط، ومعامل الخياطة، والمطاعم، والمطابع ومؤسسات الاعلام… تفيد بأن إدارات مؤسساتهم لم تحتسب الزيادة في أجورهم في رواتب شهر شباط.

ويقول عبد الله إن هذه المؤسسات التي ترفض دفع زيادة غلاء المعيشة لأجرائها، تتذرّع بأنها لا تزال تحتسب الزيادة، فيما بعضها بدأ يفاوض العمّال على خفض نسبة الزيادة. ويشير رئيس نقابة معامل الخياطة يوسف حرب، إنه تلقى مراجعات من بعض العمّال تفيد بانهم لم يحصلوا على اي زيادة على اجورهم، لكنه يؤكد أن أياً من هذه المعامل «لم يعلن امتناعه عن دفع الزيادة، إلا أن بعضهم لا يزال يريد حسم الزيادة الممنوحة في عام 2010، وإن لم تكن زيادات مطابقة للمادة الرابعة من مرسوم تصحيح الأجور». ويؤكد حرب أنه في حال تمنّع إدارات المعامل عن دفع الزيادة، «فسنلجأ إلى وزارة العمل».

في هذا الإطار، كانت المؤسسات الصحيّة أول من أعلن الامتناع عن دفع الزيادة على الأجور. فقد أعلن رئيس نقابة اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في أكثر من مناسبة، عدم قدرة المستشفيات على دفع الزيادة، مطالباً بزيادة التعرفات الاستشفائية. وقد استدعى هذا الموقف، ردّاً من نقابة عمال المستخدمين في القطاع الصحّي يحذّر من موقف هارون. وبحسب الأمين العام لاتحاد نقابات القطاع الصحي جوزف يوسف، فإن «دعوة هارون المستشفيات إلى عدم دفع الزيادة، لم تلق استجابة واسعة في القطاع، فهناك مستشفيات تدفع الزيادة وبعضها لم يدفع بعد». ويؤكد يوسف أن تحقيق مطالب المستشفيات بزيادة التعرفات «لا يكون على ظهور العمّال، فإذا كانوا يريدون ربط تطبيق الزيادة على الأجور بزيادة التعرفات، فنحن سنكمل بالتصعيد ونذهب باتجاه تقديم شكوى لدى وزارة العمل».

في الواقع، هناك حجّة ثانية للمستشفيات بأن هناك متأخرات على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بقيمة 500 مليار ليرة، وبقيمة مماثلة على جهات ضامنة أخرى، لذا تتذرّع بهذا الوضع لتحصيل مستحقاتها، غير أن يوسف يؤكد أن هذه المعاناة لا تقتصر على المستشفيات، فالمبالغ المستحقة للمضمونين تتأخر أشهراً عديدة أيضاً تماماً كما يحصل مع المستشفيات.

14 في المئة

هو معدّل الزيادة الوسطية على الأجر وفق مرسوم تصحيح الأجور رقم 7426. علماً بأن هذا المعدّل يُحتسب على أساس المعدل الوسطي للأجور في لبنان البالغ 1.430.000 ليرة

حقوق موظفي المصارف

قبل أسابيع تبيّن لرئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج حاج، أن جمعية مصارف لبنان أنهت العمل بعقد العمل الجماعي مع الاتحاد؛ لأن بنوده تلحظ زيادات على الأجور لا تريد دفعها. فالعقد يزيد تقديمات المنح المدرسية والمنح الزوجية ومنح الولادة ومنح الجامعات وفق نسبة الزيادة التي تقرها الدولة على الشطر الأول، أي بنسبة 100% ويزيد الرواتب بنسبة أكبر مما هو ملحوظ في مرسوم تصحيح الأجور… لذلك، ذهب الاتحاد إلى وساطة وزارة العمل في خطوة أولى.

المصدر: التيار اللبنانية