اتفاق بين الحكومة والقيادة النقابية في تونس على «تهدئة الأوضاع» في سليانة

أعلنت الحكومة التونسية وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر مركزية نقابية في تونس) أمس التوصل إلى اتفاق لـ«تهدئة الأوضاع» في ولاية سليانة (شمال غرب) التي تشهد منذ الثلاثاء أعمال عنف ومواجهات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون بعزل الوالي المحسوب على حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، وبالتنمية الاقتصادية والإفراج عن معتقلين. وأجرى الجانبان مفاوضات بمقر الحكومة في تونس العاصمة، شارك فيها ممثلون عن مكتب اتحاد الشغل بسليانة الذي يؤطر إضرابا عاما متواصلا منذ الثلاثاء.

وإثر المفاوضات التي استمرت أكثر من 4 ساعات، قال محمد بن سالم وزير الفلاحة (الزراعة) في مؤتمر صحافي إن الحكومة قررت «تكليف المعتمد الأول (نائب الوالي) بتسيير شؤون ولاية سليانة في انتظار اتخاذ القرار المناسب من السلطات المختصة» دون أن يوضح إن كان الوالي الحالي أقيل من مهامه أم استقال. وكان حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة الإسلامية أعلن هذا الأسبوع رفضه القاطع عزل الوالي، قبل أن يتراجع ويعلن أنه سيقيله إن ثبت أنه قصر في أداء مهامه.

وقال بلقاسم العياري الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل لوكالة الصحافة الفرنسية: «قدمنا اليوم للحكومة نسخا من عدة مراسلات بعثناها إلى والي سليانة لدعوته إلى الحوار، لكنه تجاهل تماما الاتحاد وكل مكونات المجتمع المدني».

ولفت إلى أن الوالي رفض حتى فتح تحقيق في حادثة اعتداء كاتبه الخاص (المحسوب بدوره على حركة النهضة) على الكاتبة العامة لنقابة موظفي ولاية سليانة. وصرح بلقاسم العياري بأن الاتحاد العام التونسي للشغل شدد خلال المفاوضات مع الحكومة على ضرورة سحب التعزيزات الأمنية التي بعثتها وزارة الداخلية إلى سليانة لأنها تسببت في «استفزاز السكان».

واتهم حقوقيون قوات الأمن بالإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين في سليانة. كما اتهم سكان بعض عناصر الشرطة بالخروج عن القانون و«قلة الحياء» خصوصا بسبب تعمد بعضهم «التعري» أمام نساء في المدينة.

وعلى خلفية أحداث سيلانة، قال المرزوقي إن «كل الجهات ستنتفض، وإن البلاد ستذهب نحو التهلكة إذا ما واصلت الحكومة نفس طريقة التعامل مع المطالب الشرعية للتونسيين». وظهر المرزوقي في موقع القيادي المحايد من خلال التذكير بكونه سيواصل لعب الدور نفسه في الاستماع والتوفيق بين مختلف الفرق السياسية.

ولم ينس المرزوقي أن يذكر بوجود قوى غير شرعية في بعض الأحياء والمناطق الفقيرة قال إنها تريد الركوب على مطالب شرعية، كما فتح أبواب الأمل أمام التونسيين من خلال قوله إن تونس ستكون بلدا مستقرا ومزدهرا في السنوات الخمس المقبلة.

وأيد المرزوقي فكرة تكوين حكومة مصغرة ومفعلة تجمع الكفاءات، وقال إن تونس في حاجة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل الصيف المقبل، واعتبر المسألة «ضرورة حياتية». وأضاف في خطاب ألقاه الليلة قبل الماضية على التونسيين، إن «مصلحة تونس تقتضي حكومة مصغرة ومفعلة تجمع الكفاءات، وأن تكون التسميات على أساس الكفاءة وليس الولاءات والمحاصصة الحزبية». ويدعم موقف المرزوقي رؤية أحزاب المعارضة التي دعت منذ أشهر إلى تحييد وزارات السيادة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة التركيبة لا تتجاوز حدود 13 وزارة، وهي دعوة رفضتها حركة النهضة ودعت في المقابل إلى إجراء تعديل وزاري محدود.

وتقود حركة النهضة ائتلافا ثلاثيا مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي، من أجل العمل والحريات، وذلك منذ 27 ديسمبر (كانون الأول) من سنة 2011 بعد فوزها بنحو 44 في المائة من أصوات الناخبين التونسيين.

وفي أول رد فعل رسمي على خطاب المرزوقي، صرح سمير ديلو، وزير العدالة الانتقالية والناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، لـ«الشرق الأوسط»، بشأن الدعوة لتكوين حكومة مصغرة، بأن ما تضمنه الخطاب «مهم وخطير»، وهو يتجاوز مسألة تشكيل حكومة الكفاءات المصغرة إلى مجموعة أخرى من النقاط المهمة. وأضاف ديلو أن كثيرا من النقاط ستكون على جدول اهتمامات الحكومة خلال الساعات القليلة القادمة. وتطرق ديلو إلى مسألة الأداء الحكومي وقراءة الرئيس التونسي للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وقال إن الخطاب تضمن مجموعة من الأفكار المهمة والخطيرة التي وجب التوقف عندها، دون أن يعبر بصفة حاسمة عن موقفه مما تضمنه الخطاب خاصة الحكومة المصغرة والمفعلة التي قد تأتي على أنقاض حكومة حمادي الجبالي.

في السياق نفسه، دعت أحزاب المعارضة يوم أمس إلى توجيه لائحة لوم إلى الحكومة، وذلك على خلفية عدم حضور حمادي الجبالي رئيس الحكومة جلسة المساءلة التي خصصها المجلس التأسيسي يوم الجمعة للأحداث التي عرفتها ولاية (محافظة) سليانة وسط غرب تونس. وقال محمود البارودي عن الكتلة النيابية الديمقراطية المعارضة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن لائحة اللوم تعد خطوة أولى نحو سحب الثقة من الحكومة. وكشف عن توقيع عشرات أعضاء المجلس التأسيسي لفائدة مشروع سحب الثقة من الحكومة.

وفي ولاية سيلانة استمرت المواجهات بين الأهالي وقوات الأمن وكما حدث في الأيام السابقة فقد هاجم نحو مائة شاب عناصر الشرطة في مركز المدينة بالحجارة وأصيب شرطي في رأسه، بحسب مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية.

وردت قوات الأمن بإطلاق كميات كبيرة من قنابل الغاز المسيل للدموع في حين نصب المتظاهرون حواجز بالإطارات والأغصان التي أشعلوا فيها النار. وفي بلدة برقو التي تقع على بعد نحو 20 كلم عن سليانة مركز الولاية، قطع مواطنون الطريق ورموا بالحجارة سيارات شرطة كانت متوجهة إلى العاصمة تونس، بحسب شهود ومصدر أمني. وردت عليهم قوات الأمن بقنابل الغاز المسيل للدموع. ويطالب سكان ولاية سليانة المهمشة تنمويا بعزل الوالي المحسوب على حركة النهضة الإسلامية، وبالتنمية الاقتصادية والإفراج عن 14 شابا اعتقلوا يوم 26 أبريل (نيسان) 2011 في أعمال عنف بالمنطقة وما زالوا دون محاكمة حتى الآن بحسب عائلاتهم. وتظاهر الجمعة أكثر من عشرة آلاف من سكان الولاية للتعبير عن تمسكهم بتحقيق هذه المطالب.